نقلها : صالح صلاح شبانة
البحث في سير أبطال شعبيين مثل الذي يبحث عن ابرة في كومة قش ، لعدم وجود التدوين ، وانقضاء آجال من عايشوا أولئك الأبطال ، ولكن هناك شذرات من هنا وهناك ، حاولنا جاهدين استثمارها بقدر الممكن .
وفريد العسعس هو واحد من أولئك الأبطال ، ولد في المزرعة الشرقية -رام الله في العام 1904م ، وفي أوائل العشرينات انتقل للعمل في حيفا ، والتحق بالكف الأسود وقد كان من الثوار الأشداء الذين يُشهد لهم بالجرأة والإقدام ، قتل العديد من الإنجليز ، حيث أصبح رأسه مطلوبا لهم ، وقد جند الأنتداب الأنجليزي المال للجواسيس للإيقاع بالبطل ، وقد أخذ غيلة وغدرا من حيث كان يأمن ، وقيل أن الخائن أحد أبناء عمومته ، وضع له منوما ، وتم القبض عليه واستشهاده إلى رحمة الله ورضوانه . ولا ندري الطريقة ، لأنه لم يقاوم حيث كان منوما ، والأرجح أنه أعدم .
وللأنتقام من القاتل هناك روايات ، أحداها تقول أن الثوار هم الذين أعدموا الجاسوس الذي وشى به برضخ رأسه بحجر ضخم ، والرواية سمعتها من المرحوم خالي علي ابراهيم ربيع من سردا – رام الله ، وهناك رواية تقول : أن أخته فريدة هي التي ثأرت له ، حيث وضعت للجاسوس المنوم وقامت بتربيطه ، ومن ثم تقطيعه ، وليس غريبا على أخت البطل أن تكون كذلك ، وقد روى لي هذه الرواية السيد موسى وجيه سويد ، ابن عمي الذي سمع الرواية من خالته ...!!!
ومن نوادر شجاعته بلغتني هذه الرواية وتقول : أن الشهيد البطل كان معتادا الذهاب الى بيت مختار من دير جرير ، وهي قرية قريبة من قريته المزرعة الشرقية ، ليأخذ قسطا من الراحة ، وقد نقل الجواسيس ، ، أن فريد العسعس يذهب عند مختار دير جرير ، إلى فورد الضابط الأنجليزي المسؤول في المنطقة ، وله حكايات غريبة عجيبة ، فصار الضابط فورد يطلب المختار للتحقيق ، وما يلحق ذلك من إهانات يتفنن الإحتلال بها ، ليدله الى مكان المطلوب فريد العسعس ، ولكنه كان يأبى ...!!!
وذات يوم جاء فريد العسعس الى دير جرير نهارا جهارا الى بيت المختار ، وطلب منه أن يفرش له في البرندة ، وكانت تسمى عِلّيَه كونها طابق ثاني ، وطلب منه ان يذهب الى فورد ويستدعيه ليقبض عليه ، فرفض المختار ولكن الشهيد أصر عليه ، فذهب وابلغ فورد ، فحضر بمجنزرة مع رهط من جنوده ، وما أن اصطفت ونزلوا حتى أطل عليهم مسددا سلاحه ، وخاطب فورد بلهجة قوية حاسمة أنه اذا خطا خطوة واحدة سيقتله وكل جنوده ، فتراجع فورد وأمر جنوده بالركوب وهو يقول بعربيته المكسرة : (اطلع انت واياه ، فريد مش هون) ، فركبوا وغادروا ، ولم يعد فورد يستدعي المختار ليحقق معه ، بعد أن أصبح فريد بقبضته وجبن عنه ...!!!
هذه الصور ليست غريبة عن الفلسطينيين ، أهل الرباط الى يوم القيامة ، ولكننا اذ ننشر هذه النتف نتمنى من كل من لديه معلومة مهما كانت ضئيلة أن ينشرها في الردود أو يزودنا بها لتكتمل صور أولئك الذين قارعوا الأنتداب والهجرة اليهودية ، ولكن القوة والكثرة تغلب شجاعة الشجعان ، فقضوا على حبال المشانق ، وفي ساحات المعارك، وقوفا كالأشجار الباسقة ، ولحسن حظهم لم تكتحل عيونهم برؤية دولة لليهود ، وكان رحمه الله تعالى قد استشهد سنة 1944م في البلدة كما تروي المصادر .
رحم الله فريد العسعس وأبو كباري وابو جلدة والعرميط ، وكل أولئك الأبطال الأفذاذ والشهداء الأبرار الذين لم يجدوا من يدون سيرهم الخالدة فاختلطت الحقيقة بالأسطورة في سيرهم .