الكهف
أشرقت الشّمس، فاغتسلت البيوت والبساتين بالنور وطارت العصافير مغنّية نشيد الضيّاء.
اندفع النّاس إلى الحقول، ليستمتعوا بيوم الجمعة، وخرجت أسرة (أبي سميح) إلى الغابة.
قضت الأسرة وقتاً ممتعاً، فبعد الغداء، تمشى الإخوة الثلاثة، سميح وفرحان ولبنى، غير بعيدين عن أبويهم، ينظرون إلى الصخور الرمادية الضخمة، والأشجار الباسقة، والحشرات الغريبة.
فجأة.. شاهد فرحان كهفاً كبيراً، فصرخ دهشاً:
- انظروا إلى تلك الصخرة، إنّها محفورة.
ضحكت لبنى، قالت:
- هذا كهف يا فرحان، الإنسان القديم سكن هنا، هكذا قالت المعلّمة.
سأل فرحان:
- وماذا كانوا يأكلون؟
- ثمار الأشجار، جذور النّبات، لحم الحيوان.
- هل كان عندهم مسدّسات يصطادون بها؟
- لا.. لم تكن الأسلحة معروفة، كانوا يضربونها بالعظام، بالحجارة وبالعصي الغليظة، ثمّ يشوونها بالنّار ويأكلونها، شاربين بقرونها.
اقترب سميح من الكهف، قال:
- هيّا ندخل.. عسى أن نجد قرن حيوان، فأنا عطشان، أريد أن أشرب.
أمسكت لبنى يد فرحان ودخلا، وما إن قالت -اسمعوا- حتّى ردّد الكهف صدى الكلمة:
- عو .. عو.. عو.
انفجر سميح ضاحكاً، نادى:
-لبنى.
ردّد الكهف:
-نا.. نا.. نا..
صاح فرحان بصوت عالٍ:
-عصفور
-فور.. فور.. فور.. فور.
بغتة.. قال فرحان:
-لماذا لا نمثّل حياة الإنسان القديم؟
نطّ سميح فرحاً، قال:
-فكرة حلوة، ولكن كيف؟
حكّت لبنى رأسها، قالت:
-أنا أمثّل دور الأم، فرحان ابني الصّغير، أمّا أنت يا سميح فتمثّل دور الوحش.
-وحش؟! لكنّني لا أحبّ أن أؤذي أحداً.
-أعرف.. إنّها لعبة فقط.
ثمّ خرجت من الكهف، وبدأت تجمع الأوراق الخضراء، وتعلّقها على خصرها.
سأل فرحان:
-ماذا تفعلين؟
ردّت لبنى:
-كان الإنسان قديماً يتستّر بالأوراق، لأنّ الأقمشة لم تكن معروفة
خلع فرحان قميصه، وركض يلمّ الأوراق، ويعلّقها على حزامه، لتشكّل زنّاراً أخضر، بينما مشى سميح على أربعٍ، مصدراً أصواتاً مخيفة.
أمسكت لبنى بيد فرحان، وركضا إلى داخل الكهف.
تقدّم سميح نحو فرحان بطيئاً، قائلاً:
-هم.. هم، سآكلك أيّها الصغير، إنّ لحمك أبيض مثل الثلج.
صاح فرحان خائفاً:
-ماما.. ماما.. أنقذيني، سيأكلني الوحش.
مدّت لبنى يدها إلى جيبها، أخرجت علبة الكبريت التّي أحضرتها مع مستلزمات الرّحلة، ثمَ أشعلت عوداً، واقتربت من الوحش.
نفخ سميح على العود، فانطفأ.
صاحت لبنى غاضبة:
-يجب أن تهرب، فالحيوانات تخاف النّار.
استلقى سميح على ظهره من شدّة الضّحك، قال:
-هل أنا جبان حتّى أخاف من عود كبريت؟
سأل فرحان:
-والآن.. ماذا سنفعل؟
ردّت لبنى:
-انظر إلي.
ثمّ أمسكت قطعة فحم صغيرة، ملقاة على الأرض، وراحت ترسم على جدار الكهف رأس وحش، له أنياب طويلة، وفوق رأسه حجر كبير.
قال فرحان:
-لماذا ترسمين على الجدار؟
-اسمع يا فرحان.. جدّنا الإنسان لم يكن يعرف الكلام، لذا كان يستعين بالرّسم.
بغتة.. سمعوا صوت أبيهم ينادي:
-أين أنتم يا صغار؟
ردّ سميح:
-نحن في الكهف.
دخل الأب، قال:
-ماذا تفعلون هنا؟
حكت لبنى لأبيها حكاية اللعبة، فضحك وقال:
-أعطني علبة الكبريت يا لبنى، لأنّ النار خطرة في الغابة.
ثمّ جلس على صخرة صغيرة، وأضاف:
-فعلاً.. كانت حياة الإنسان الأولى، قاسية وخطرة، لكنّه لم يستسلم، فظلّ يعمل ويتعب، حتّى وصل إلى الحضارة التي نعيشها الآن.
ابتسم الصّغار، وعرفوا أن الإنسان يصل إلى هدفه بالاجتهاد والعمل.
.